الاثنين، 24 سبتمبر 2012

دمعة الفرقا - قراءة أدبية

دمعة الفرقا

طاحت بي الدمعه على غاليٍ غاب @ ووقت الرحيل أشعل براس الفتيله
فاضت عيوني وأغرقت شهب الأهداب @ وهي علي بالدمع كانت بخيله
ويا شينها الدمعه على فراق الأحباب @ ويا شينها الفرقا لا صارت طويله
أنا فقدت أغلى الحبايب والأقراب @ في ليلةٍ لا عادها الله ليله
شفت الجسد بالقبر وأكفانه ثياب @ والحزن يكفي عن كثيره قليله
حزنٍ سطا بالجوف وأرسى له أطناب @ وأوقد بصدري مثل جمر المليله
ما بين ربعي كني بوسط الأجناب @ مثل الغريب اللي مضيع دليله
وآشوف كل الناس في عيني أغراب @ عقب الرحيل المُر روحي عليله
فارقتها في ليل والقلب منصاب @ جرحه عطيبٍ والزمن هدّ حيله
وأنهرت وأنهارت عزومي والأعصاب @ من جور صكّات الزمان الثقيله
يوم رحلت وأنصكّ من دونها الباب @ باب القدر والموت ما فيه حيله
حكمة ولي العرش لا ساق الأسباب @ والعبد ما في يديه حلّ ووسيله
والأقدار تنهش كل يومٍ بمخلاب @ ومن حتّت أوراقه سعت في شليله
وكلٍ يموت وعند ربي له حساب @ وكلٍ يحصد اللي زرع في حصيله
ولا خاب من يرجيه من جاه طلاّب @ هو واسع الرحمه ومنجي دخيله
جزل العطايا مالك الملك وهّاب @ سجدت له وآمنت به وأنحني له
يا غافر الزلات للعبد لا تاب @ يا قابلٍ دعوات من يلتجي له
تجعل لها من رحمتك ستر وحجاب @ وبعالي الفردوس ظل وخميله
في جنةٍ نسماتها المسك وأطياب @ وتشرب نهر خمرك ومن سلسبيله
وعلى نصايب قبرها الغيث سكّاب @ تلاعج بروقه ويهمل هميله
وتنبت فياضه من رياحين وأعشاب @ ويعمّ خيره الأرض ويسيل سيله
ويا مقدرٍ آجال الأعمار بكتاب @ يا رب تجمع بين خل وخليله
أمي غلاها أغلى من أحباب وأقراب @ وآحبها قبل الوطن والقبيله
فارقتها في ليل والقلب منصاب @ جرحه عطيبٍ والزمن هدّ حيله
وعيوني اللي غرّقت شهب الأهداب @ جادت وهي بالدمع كانت بخيله
ويا شينها الدمعه على فراق الأحباب @ ويا شينها الفرقا لا صارت طويله


قراءة أدبية

الوافي والسامي خلقا وسمتاً وشعراً ..الأخ محسن المسردي ..
شكراً لك على هذا الطرح الرائع .. وشكراً لسموك الفكري هناك .. صدقني وجودي ليس للنقد والتنقيح بقدر ما هو نوع من الانجذاب الذاتي للذوق الأدبي الذي أجده في ثنايا ما أقرأ ..
النص مميز بعدة اتجاهات .. بشعوره الطاغي وصورته الموحدة وإحساسه المترامي بوتيرة واحده من بداية النص إلي نهايته .. وهذا التناغم الحسي والمعنوي للقصيدة .. يعكس روح النص على قارئه .. ولا جدال أن النص ُكتب بأصدق حالات الشعر .. وكل بيت يعبّر عن نفس الطقوس التي أربكت القلم ليكتب لنا:

طاحت بي الدمعه على غالـيٍ غـاب ..

فمطلع النص يعبر لنا عمّا سوف يكون ورغم انه أتى بوضوح يليق به .. فأول ما تبادر إلى ذهني كقارئ أنني فهمت مغزاه وسوف أتنقل بعجالة إلى ما هو قادم !! .. ولكن ما جعلني أتوقف عند هذا النص ..أنه رغم هذه الفكرة الأولية عنه .. إلا أن النص خيّب ظنوني .. فجماله جعلني أتوقف عند كل بيت قادم ..وأسبر أبعاده عن كثب.. ورغم هذا العجز :"ووقت الرحيل أشعل بـراس الفتيلـه"
الذي قد أربك مطلع النص لأنه قدح شرارة معنى قادم .. إلا انه انتهى ولم يكمل ماذا "أشعل براس الفتيله؟" إلا أنني تجاوزته كما تجاوزته أنت بعجالة .. رغم انه يستحق منك المزيد من الإسهاب .. للتوضيح ..

فاضت عيوني وأغرقت شهب الأهداب @ وهي علـي بالدمـع كانـت بخيلـه

هنا يرتبط النص من جديد بصدر البيت الأول والأجدى ان يرتبط بالعجز.. وهنا مع إدخال صورة .. "شهب الأهداب" .. والتي توحي ان الحزن كان من قبل ومن بعد .. ولكن كانت شراره الفتيله هو ذلك المقام/ الحزن الذي يستحق الدمع .. وهنا : "وهي علـي بالدمـع كانـت بخيلـه" قد أفسر انه ربما يكون المغزى من "أشعل براس الفتيله" هو "الدمـع" ولكن لا أعتقد أن هذا الربط كان بدقة تستحق العودة لعجز البيت الأول بعد تجاوزه وخصوصا أنه لم يكن هناك تلميح يشعرنا إن العين هي الوجه الآخر للفتيله ومع هذا فان ربط العجز "وهي علـي بالدمـع كانـت بخيلـه " بصدره أولى من ربطه بعجز البيت الأول ..
هذا كله نوع من الجدل الذي صنعته بيني وبين ما قرأت ..
كتبته لكي يكون نوع من التفكير بصوت مرتفع بين الشاعر والمتلقي .. فأنت الصوت ونحن الصدى ..

ويا شينها الدمعه على فراق الأحبـاب @ ويا شينها الفرقا لا صـارت طويلـه

هذا البيت أتقن حبكة التأكيد على الحزن .. فالدمع ليس بحده هو الحزن .. فطول الفراق .. هو الحزن المنشود .. والهدف المقصود .. من دمع الأحباب .. ومع هذا كله .. فالبيت يميل للتعميم لا للتخصيص لموقفك بهذا النص .. لذا فكلمة "أنا" .. في بداية البيت التالي .. قامت بدور التخصيص له فأتت في مكانها..
لتقول لنا أنا صاحب الدمع وأنا المتبول الفؤاد ..

أنا فقدت أغلى الحبايـب والأقـراب @ فـي ليـلـةٍ لا عـادهـا الله ليـلـه
شفت الجسد بالقبـر وأكفانـه ثيـاب @ والحزن يكفـي عـن كثيـره قليلـه

"والحزن يكفـي عـن كثيـره قليلـه " للطباق: كثيره قليله" جرس جميل وهو من المحسنات البديعية للنص .. من هنا يعود النص ليوضح بشكل مباشر حالة الشاعر بتلقائية تساندها الصور والبناء المتماسك:

حزنٍ سطا بالجوف وأرسى له أطناب @ وأوقد بصدري مثـل جمـر المليلـه
ما بين ربعي كني بوسـط الأجنـاب @ مثل الغريـب اللـي مضيـع دليلـه
وآشوف كل الناس في عيني أغـراب @ عقب الرحيل المُـر روحـي عليلـه
فارقتها في ليـل والقلـب منصـاب @ جرحه عطيبٍ والزمـن هـدّ حيلـه
وأنهرت وأنهارت عزومي والأعصاب @ من جور صكّـات الزمـان الثقيلـه
والأقدار تنهش كـل يـومٍ بمخـلاب @ ومن حتّت أوراقه سعت فـي شليلـه

والأقدار : ولو ُكتبت بلهجة الشاعر لُكتِبت : ولْقدار .. ومن حتّت أوراقه سعت فـي شليلـه / رائع هذا البعد ..
وانتقال النص للتوجه إلى الله بروح الملتجئ وطالب العون .. أتي بربط جميل لا يتضح إلا عندما نعلم أن القدر .. بحكم مقدر الأقدار.. فلما أقنع الشاعر ذاته بحقيقة القدر كنوع من الترويح عن النفس .. حان للنص أن يتجه لمقدر الأقدار ليس بروح الحزن بقدر ما هو بروح الالتجاء والاعتصام ..

وكلٍ يموت وعند ربـي لـه حسـاب @ وكلٍ يحصد اللي زرع فـي حصيلـه
ولا خاب من يرجيه من جاه طـلاّب @ هو واسع الرحمة ومنجـي دخيلـه
جزل العطايا مالـك الملـك وهّـاب @ سجدت له وآمنت بـه وأنحنـي لـه
يـا غافـر الـزلات للعبـد لا تـاب @ يا قابـلٍ دعـوات مـن يلتجـي لـه

ومن هنا يدرك أن الحزن غير مجدي .. وان طلب المغفرة هو الأجدى .. ليكمل بانتقال أخر جديد:

تجعل لها من رحمتك ستر وحجـاب @ وبعالي الفردوس ظـل وخميلـه
في جنةٍ نسماتهـا المسـك وأطيـاب @ وتشرب نهر خمرك ومـن سلسبيلـه
.
.
أمي غلاها أغلى من أحباب وأقـراب @ وآحبهـا قبـل الـوطـن والقبيـلـه

"أمي" هنا بعد نص يكسوه الحزن .. لها انطباع نفسي رائع من عدة نواحي:
الأول: أن القاري يدرك أن كل ما تم قراءته أعلاه يحتاج ليقرأه مره أخرى لأنه "لأمي" فهي تستحق ..
الثاني: أجاب عن تساؤل خفي .. وهو بعد أكثر من عشرة أبيات من الحزن المنسكب نقول من هو المفقود؟: فتأتي إجابته هنا .. ويعود القارئ من جديد ليقرأه بحس مختلف وشعور أعمق ..
الثالث: عنصر المفاجأة بالانتقال من مجهول إلي معلوم بدون ربط مباشر .. لأن الرابط العام هو الحزن .. والأم لا تحتاج لمقدمات ..

وعيوني اللي غرّقت شهب الأهـداب @ جادت وهـي بالدمـع كانـت بخيلـه

تكرار ها البيت بعد هذا الانكشاف .. جميل والأجمل الفرق بين : "أغرقت" في البيت الثاني .. و "غرّقت" هنا .. فكلمة "غرّقت" توحي بالتعظيم للشيء .. لأن المرثي يستحق .. الكثير ..
النص ذو بناء مقسم وكل انتقال من فكرة إلي أخرى كان بترابط تسلسلي منطقي للفكر والشعور
القدير محسن المسردي .. لا غرابة فيما قدمت لنا .. من جمال .. فهذا لأن الصدق/الإبداع مسيطر .. ويحتويك ..
شكرا لك ولهكذا نص ..واعذر لي تأخري .. فلا زلت احتفظ بهذا النص في مفضلتي ..
لكي لا أغفو عما أربك حضوري للوهلة الأولى ... ولها منّا صادق الدعاء ولك من الله الصبر والسلوان ..

أخوك/ سلطان بشير..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق